Thursday, 3 July 2014

آدم و ابليس


آدم  و  ابـلـيـــس
قبل أن يبدأ الجنس البشري رحلته في الأرض , أراد الله سبحانه أن يزود هذا المخلوق بتجربة و خبرة يكون فيها فلاحه و نجاحه إذا داوم على تذكرها و العمل بمقتضاها , و يكون هلاكه و خسرانه في نسيانها و الإعراض عنها .
أمر الله سبحانه آدمَ أن لا يأكل من الشجرة المحرمة  فنسي و أكل  و عصى بذلك ربه .
و أمر الله سبحانه و تعالى ابليس أن يسجد لآدم فأبى و استكبر و عصى بذلك ربه .
لقد تورط آدم و ابليس في المعصية لأن في طبيعتهما التي فطرهما الله عليها مجال للإختيار و امكانية للمخالفة . فهما ليسا كالملائكة لا خيار لهم فيما يعملون " لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون " . 
 واجه الله سبحانه آدم بمعصيته و سأله : ألم أنهكما عن تلكما الشجرة و أقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين؟ 
و كذلك واجه الله سبحانه ابليس بمعصيته و سأله : ما منعك أن تسجد إذ أمرتك ؟
استجاب آدم للسؤال بما أهّله للإصطفاء و التكريم . و استجاب ابليس للسؤال بما أوجب عليه اللعنة إلى يوم الدين. فما طبيعة الإستجابتين و ما الفرق بين الجوابين . إنه الدرس الذي يجب على البشر أن يتذكروه و لا ينسوه و هم يواجهون الحياة و ما فيها من تحديات بما جبلوا عليه من ضعف و جهل و بما سلّط عليهم من شهوات , فيقعون في الأخطاء و يتورطون في العصيان . و كل ابن آدم خـطّـاء .
عندما أدرك آدم ما وقع فيه من نسيان و عصيان استجاب للسؤال بقوله : ربنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين . و في هذا الجواب إعتراف بالذنب و إقرار بالمسؤولية عن المخالفة. و في هذا الجواب كذلك, طلب للمغفرة و الرحمة من الله سبحانه و التوسل إليه أن لا يجعله من الخاسرين .
و عندما جاء ابليس ليجيب عن سبب تورطه في المخالفة و العصيان , أنكر أن يكون ما فعله من مخالفة الأمر ذنباً و معصية بل تورط في شناعة التبرير لما فعله و إبراز وجه الحكمة فيما اختار فقال : أنا خير منه . و كأنه يقول لربه سبحانه و تعالى لا حكمة و لا وجه لما أمرتني به من السجود لمن هو دوني في القيمة و الشأن . و بعد ذلك الإنكار الوقح ألقى ابليس بمسؤولية مخالفته على ربه فقال : فبما أغويتني . ثم تمادى في السفاهة و الجراءة و العدوان و توعد ذرية آدم بالإغواء و الإضلال و الإفساد .
و عندما تتبدى طبيعة الإستجابتين و الفرق بين الجوابين يبدو الدرس المستفاد من التجربة الإنسانية الأولى درساً على غاية من الأهمية , فهو يبرز توجهين و نموذجين من السلوك . توجهين و نموذجين في التعامل مع الطبيعة البشرية و ما فيها من جهل و ضعف و قصور , و ما منحت من حرية التصرف و الإختيار .
إن الخطأ و مجانبة الصواب و العدل جزء من الطبيعة البشرية , و كل ابن آدم خطاء . فليست النجاة في تجاوز الطبيعة التي خلق الله الناس عليها و محاولة العيش كالملائكة و هو أمر غير ممكن . و لكن النجاة  كما يبينها الدرس الإنساني الأول تكمن في التعامل مع الخطأ على طريقة آدم و ليس على طريقة ابليس .
فالناجون من بني آدم هم الذين إذا أخطأوا تصرفوا مثل آدم فاعترفوا بذنبهم و أقروا أن ما فعلوه معصية و خروج عن أمر صاحب الأمر, و أقروا بمسؤوليتهم عما اختاروه  و لجؤوا إلى الله سبحانه يطلبون منه المغفرة و العفو عما بدر منهم .
و الهالكون من بني آدم هم الذين إذا أخطأوا تصرفوا مثل ابليس فأنكروا أن يكون ما فعلوه خطاً يعتذر منه و برروا ما فعلوه و حاولوا أن يحشدوا له أوجهاً من الأدلة و المؤيدات و المبررات , ثم ألقوا بمسؤولية ما فعلوه و ما اختاروه على غيرهم , و تمادوا في البغي و العدوان على من واجههم بخطئهم .
عندما نفهم قصة المعصية الأولى على هذا النحو يبدو في كل ما نراه حولنا النموذج المتكرر لإستجابة آدم  و لإستجابة ابليس على مسرح الحياة . و ندرك بعض آفاق قول النبي صلى الله عليه و سلم : كل ابن آدم خـطّـاء , و خير الخطائين التوابون .

No comments:

Post a Comment