آدم و ابـلـيـــس
قبل أن يبدأ
الجنس البشري رحلته في الأرض , أراد الله سبحانه أن يزود هذا المخلوق بتجربة و
خبرة يكون فيها فلاحه و نجاحه إذا داوم على تذكرها و العمل بمقتضاها , و يكون
هلاكه و خسرانه في نسيانها و الإعراض عنها .
أمر الله
سبحانه آدمَ أن لا يأكل من الشجرة المحرمة
فنسي و أكل و عصى بذلك ربه .
و أمر
الله سبحانه و تعالى ابليس أن يسجد لآدم فأبى و استكبر و عصى بذلك ربه .
لقد تورط
آدم و ابليس في المعصية لأن في طبيعتهما التي فطرهما الله عليها مجال للإختيار و
امكانية للمخالفة . فهما ليسا كالملائكة لا خيار لهم فيما يعملون " لا يعصون
الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون " .
واجه الله سبحانه آدم بمعصيته و سأله : ألم أنهكما عن تلكما الشجرة و أقل
لكما إن الشيطان لكما عدو مبين؟
و كذلك واجه الله سبحانه ابليس بمعصيته و سأله :
ما منعك أن تسجد إذ أمرتك ؟
استجاب
آدم للسؤال بما أهّله للإصطفاء و التكريم . و استجاب ابليس للسؤال بما أوجب عليه
اللعنة إلى يوم الدين. فما طبيعة الإستجابتين و ما الفرق بين الجوابين . إنه
الدرس الذي يجب على البشر أن يتذكروه و لا ينسوه و هم يواجهون الحياة و ما فيها من
تحديات بما جبلوا عليه من ضعف و جهل و بما سلّط عليهم من شهوات , فيقعون في
الأخطاء و يتورطون في العصيان . و كل ابن آدم خـطّـاء .
عندما
أدرك آدم ما وقع فيه من نسيان و عصيان استجاب للسؤال بقوله : ربنا ظلمنا أنفسنا و
إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين . و في هذا الجواب إعتراف بالذنب و إقرار
بالمسؤولية عن المخالفة. و في هذا الجواب كذلك, طلب للمغفرة و الرحمة من الله
سبحانه و التوسل إليه أن لا يجعله من الخاسرين .
و عندما جاء
ابليس ليجيب عن سبب تورطه في المخالفة و العصيان , أنكر أن يكون ما فعله من مخالفة
الأمر ذنباً و معصية بل تورط في شناعة التبرير لما فعله و إبراز وجه الحكمة فيما
اختار فقال : أنا خير منه . و كأنه يقول لربه سبحانه و تعالى لا حكمة و لا وجه لما
أمرتني به من السجود لمن هو دوني في القيمة و الشأن . و بعد ذلك الإنكار الوقح
ألقى ابليس بمسؤولية مخالفته على ربه فقال : فبما أغويتني . ثم تمادى في السفاهة و
الجراءة و العدوان و توعد ذرية آدم بالإغواء و الإضلال و الإفساد .
و عندما
تتبدى طبيعة الإستجابتين و الفرق بين الجوابين يبدو الدرس المستفاد من التجربة
الإنسانية الأولى درساً على غاية من الأهمية , فهو يبرز توجهين و نموذجين من
السلوك . توجهين و نموذجين في التعامل مع الطبيعة البشرية و ما فيها من جهل و ضعف
و قصور , و ما منحت من حرية التصرف و الإختيار .
إن الخطأ
و مجانبة الصواب و العدل جزء من الطبيعة البشرية , و كل ابن آدم خطاء . فليست
النجاة في تجاوز الطبيعة التي خلق الله الناس عليها و محاولة العيش كالملائكة و هو
أمر غير ممكن . و لكن النجاة كما يبينها
الدرس الإنساني الأول تكمن في التعامل مع الخطأ على طريقة آدم و ليس على طريقة
ابليس .
فالناجون
من بني آدم هم الذين إذا أخطأوا تصرفوا مثل آدم فاعترفوا بذنبهم و أقروا أن ما
فعلوه معصية و خروج عن أمر صاحب الأمر, و أقروا بمسؤوليتهم عما اختاروه و لجؤوا إلى الله سبحانه يطلبون منه المغفرة و
العفو عما بدر منهم .
و
الهالكون من بني آدم هم الذين إذا أخطأوا تصرفوا مثل ابليس فأنكروا أن يكون ما
فعلوه خطاً يعتذر منه و برروا ما فعلوه و حاولوا أن يحشدوا له أوجهاً من الأدلة و
المؤيدات و المبررات , ثم ألقوا بمسؤولية ما فعلوه و ما اختاروه على غيرهم , و
تمادوا في البغي و العدوان على من واجههم بخطئهم .
عندما
نفهم قصة المعصية الأولى على هذا النحو يبدو في كل ما نراه حولنا النموذج المتكرر لإستجابة
آدم و لإستجابة ابليس على مسرح الحياة . و
ندرك بعض آفاق قول النبي صلى الله عليه و سلم : كل ابن آدم خـطّـاء , و خير
الخطائين التوابون .
No comments:
Post a Comment