الســنـــة الــنــبــــويــــة
اعتاد أئمة المساجد أن يقرؤوا فصلاً من المواعظ و الآداب بعد صلاة
العصر في رمضان . و ذلك ضمن حملة للتعليم و التوجيه مستفيدين من إقبال الناس على
المساجد في رمضان .
كانت الموعظة التي قرأها الشيخ بالأمس عن فضل الإلتزام بالسنة النبوية
و ذكر طرفاً من السنن التي هجرها الناس و يحسن التذكير بها و المحافظة عليها اغتناماً
لبركتها . وقد ذكر الشيخ من هذه السنن التيامن – أي البدء باليمين عند لبس الثوب و
النعل و دخول المسجد بالرجل اليمين و الخروج بالشمال , و النوم على وضوء , و
سجدة الشكر لمن أكرمه الله بشيء من الفضل
, و السواك . و كان الشيخ يأتي بعد ذكر السنة التي يرغب الناس بها بمجموعة من
الأحاديث النبوية التي تثبت فعل النبي صلى الله عليه و سلم لها أو إرشاده لفعلها و
التمسك بها .
و بعد أن انتهى الشيخ من قراءة موعظته , فكرت في مضمون ما أورده من
الأمثلة عن السنة فكانت جميعها أفعالاً فردية من الهيئات التي لا يتعدى خيرها
فاعلها و ليس فيها أفعالاً و سنناً أخرى مما يبين السنة في الإطار الإجتماعي و
التي يمكن أن نحشد لها من النصوص و الدلائل الصحيحة كما فعل الشيخ في السنن التي
ذكرها .
شعرت أن هذه الموعظة التي قرأها الشيخ تشير إلى خلل منهجي خطير في
التعامل مع السنة النبوية . إنها القراءة الإنتقائية التي تختزل مضمون السنة و
دلالتها و تختصره في أفعال و هيئات فردية لا يشك مسلم بفضل ثواب فعلها بنية
الإقتداء و التأسي , و لكنها لا تدل على الصبغة التي تميز أمة محمد صلى الله عليه
وسلم كما وصفها الله تعالى بقوله :
" و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " . "
أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " . " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون
بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله " . " إنما المؤمنون إخوة
" .
و بالإضافة إلى هذا الإختزال إلى الهيئات الفردية , هناك إعراض عن
البعد الجماعي في السنة النبوية التي تشتد الحاجة إليها في واقع الأمة :
تبسمك في وجه أخيك صدقة . المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يحقره و لا
يسلمه , كل المسلم على المسلم حرام , دمه و ماله و عرضه . ليس المؤمن بالطعان و لا
اللعان و لا الفاحش و لا البذيء . إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه . نظفوا
أفنيتكم و لا تشبهوا باليهود . لا تباغضوا و لا تحاسدوا و لا تدابروا و لا تناجشوا
و كونوا عباد الله اخوانا . ليس منا من لم يرحم صغيرنا و يوقر كبيرنا و يعرف
لعالمنا حقه . إن الله يحب معالي الأمور و يكره سفاسفها . . . . . .
إن أمثال هذه السنن و التوجيهات النبوية هي التي تميز الأمة في الإطار
الجماعي و هي التي تعطي المجتمع صبغته الإسلامية النبوية من التراحم و التكافل و
الرفق و الإحسان . فإذا أضاف المسلم إلى التزامه بالصبغة النبوية للمجتمع المسلم
سنناً فردية و هيئات في اللبس و الأكل و المشي و النوم و غيرها فقد غنم مزيدأ من
الفضل ببركة التأسي , و لكن هذه الهيئات لن ترقى لتكون البديل عن الصبغة الإجتماعية
العملية أو المعيار الراجح لمعنى إتباع السنة .
No comments:
Post a Comment