Sunday, 13 July 2014

الـزكــاة


الـزكــاة
من الأمور التي تميز هذا العصر الذي نعيش فيه , ازدياد الفجوة بين الفقراء و الأغنياء و خاصة  في ظل النظام الإقتصادي العالمي الذي تهيمن عليه ثقافة الإستهلاك و المتعة و السرف و الترف.
و ينظر المسلم إلى مجتمعات المسلمين ليسأل نفسه السؤال الفطري الطبيعي: كيف تساهم فريضة الزكاة في تقليل عدد الفقراء و في توزيع ثروة الأمة بشكل يحقق المواساة و التكافل ؟
و يصاب المسلم بالحيرة عندما يعلم أن الفتاوى المنتشرة في موضوع الزكاة تسير في اتجاه لا ينسجم مع الفهم الفطري لتوجيهات الإسلام في تحري العدل في توزيع الثروة و تأمين الحد الضروري من العيش الكريم لمجموع الأمة, حتى أن وصف الإيمان يرتفع إذا اختل تأمين الحد الأدنى . فالرسول صلى الله عليه و سلم يشهد و يقول " و اللهِ لا يؤمن, من بات شبعان و جاره إلى جنبه جائع و هو يعلم " .
فالفتاوى التي تتردد على المنابر و حلقات الوعظ و الإرشاد تؤكد على أن الزكاة لا تجب إلا فيما حال عليه الحول من المال. أما ما يستفيده المرء من المال و يكسبه طول العام إذا أنفقه لا تجب فيه الزكاة بالغاً ما بلغ. فالطبيب و المهندس و المحامي و الإداري و كل أصناف الموظفين و المستخدمين و الخبراء و الوسطاء لا يجب عليهم زكاة فيما استفادوه من رواتب و أجور و تعويضات و مكافآت إلا فيما بقي في حسابهم في آخر الحول . وغالباً ما يكون هذا الباقي أقل من القليل بعد أن استهلكت الدخل الإلتزامات التي لا تنتهي لتلبية متطلبات مستوى المعيشة و الإطار الإجتماعي الذي اختاره المرء لنفسه.
و المسلم لا يستريح إلى هذه الفتاوى لأنها ظاهرة الغرابة عن منطق المواساة و التكافل الذي يمثل روح الإسلام. و لكن المسلم مطالب أن لا يهجم على الفتوى و يتكلم في دين الله بغير علم . و عند البحث في هذا الموضوع الخطير نجد أن من علماء المسلمين الموثوقين من تكفل بمعالجة هذا الأمر و توجيهه بشكل ينسجم مع الفهم المقاصدي لفريضة الزكاة. و ما نفعله هنا هو الإشارة و الدلالة على معالجة نظن فيها الإنسجام و التوافق مع روح الشريعة و منطقها و مقاصدها و بعد ذلك كل مسلم مسؤول عما يأخذ به نفسه.
عالج الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه " فقه الزكاة " موضوع زكاة المال المستفاد في الفصل التاسع في الجزء الأول من الكتاب و انتهى بعد مناقشات و تحليلات مستفيضة إلى النتائج التالية :
1.    الأجور و الرواتب و التعويضات و المكافآت التي يتقاضاها المرء نتيجة عمله في مهنة أو عقد استخدام, هي مال مستفاد تجب فيه الزكاة حين استفادته و لا يشترط فيه الحول.
2.    ليس في اشتراط الحول حديث ثابت مرفوع إلى النبي صلى الله عليه و سلم و لا سيما في المال المستفاد.
3.    يعتبر الدخل السنوي الإجمالي في حساب النصاب .
4.    تؤخذ الزكاة من صافي الإيراد أو الراتب ليطرح منه الدين و يعفى الحد الأدنى لمعيشته و معيشة من يعول.
و قد عرض الشيخ القرضاوي المحاولة الرائدة للشيخ ولي الله الدهلوي لبيان معنى النصاب الذي يتحدد به حد الغنى و حد الفقر بما ينسجم مع النصوص و يراعي في الوقت نفسه تغيرات الزمان و ما استجد من وسائل الكسب أو ما يعتبر من الحاجات الأصلية التي لا بد منها. و خلاصة مناقشة الشيخ الدهلوي رحمه الله أن النصوص الواردة في بيان مقادير النصاب يمكن إرجاعها كلها عند معرفة الواقع الإقتصادي في عهد النبوة إلى معيار واحد و هو " ما يكفي أدنى بيت من المسلمين سنة ". و هذا المعيار يمكن معرفته بدقة في عصرنا إذ تكفلت الدول و الحكومات ببيان حد الفقر في كل مجتمع. فكل من كان دخله السنوي أقل من حد الفقر المقرر في مجتمع معين فهو فقير لا يدفع الزكاة و يجوز له أن يأخذ من مال الزكاة ما يكفيه. و كل من زاد دخله السنوي عن حد الفقر في بلده فهو غني تجب عليه الزكاة في المقدار الزائد عن حد الفقر و لا يجوز له أن يأخذ من مال الزكاة. و لا فرق في تحقيق معنى التكافل و المواساة و الشكر لله تعالى على نعمه, إن دفعت الزكاة المستحقة أقساطاً بإخراج مبلغ عند كل دفعة يقبضها أو أن يدفع المسلم المبلغ المستحق مرة واحدة مع زكاة الأصناف الأخرى من المال أو الدخل عند تمام الحول .
إن موضوع الزكاة واسع متشعب و كذلك أصناف الأموال التي تجب فيها الزكاة و مقادير نصابها, و المسلم الصادق يتحرى لدينه حتى يحقق مقاصد الزكاة من المواساة و التكافل فيدفع ما يجب عليه عن طيب نفس و احتساباً للأجر . و ما أردنا في هذا المقال هو التذكير بطرف من أحكام الزكاة فيما يتعلق بالمال المستفاد و التي غفل عنها كثيرون أو تمسكوا بأقوال ظاهرة التعارض مع روح الإسلام و هديه في المواساة و مراعاة حق الفقير و المسكين .

No comments:

Post a Comment