Monday, 9 June 2014

الـتـــوبــة



الـــتـــوبــــــة
كل ابن آدم خـطّــاء و خير الخطائين التوابون .
في طبيعة الإنسان ضعف وعجز وقصور. و في فطرته تشوّف و تطلّـع و نزوع إلى الكمال. إنه مزيج من قبضة الطين و نفخة الروح . تتجلى نفخة الروح في قلب المؤمن محبة للخير و نية لفعل الخير و اعترافاً بأن الله سبحانه و تعالى هو وحده صاحب الأمر و أن شرعه هو معيار الحق و الصواب . فإذا توجه المؤمن للعمل جاء سعيه مشوباً بما في إنسانيته من ضعف و هشاشة و شهوة و هوى . فما هي إلا خطوات من الغفلة و الشرود حتى تأتي المذكّـِرات و المنبّـهات في مواسم الخير و ساعات التجلي لتعيد المؤمن إلى الطريق ليستأنف العمل باستقامة بعد شرود و بعهد على الطاعة بعد كبوة و ضياع . و التائب من الذنْب كمن لا ذنْب له .
و مثال المؤمن في قصته مع طبيعته المزدوجة كمثل الراكب يسير في الصحراء يبقى مطمئناً أنه سيصل غايته ما دام قادراً على أن  يتعرف على صواب طريقه بالعلامات و الإشارات و المعالم من جبال و أودية و آثار . فإذا اشتبهت العلامات و ضاعت المعالم أصابه الفزع و الإضطراب و أيقن بالهلاك و توقف عن السير فهو لا يدري في أي جهة يسير فكل خطوة في اتجاه خاطئ قد تبعده عن وجهته و مبتغاه . فإذا جاء الدليل الخبير و دل على الطريق رجع الإطمئنان و تحددت الوجهة و تجدد النشاط للسير .
فالتوبة فيها معنى الإدراك للضياع و البعد عن الطريق و ما يصاحب ذلك من الفزع و الإضطراب لتوقع الهلاك .
و التوبة فيها معنى الرجوع و العودة إلى الطريق بعد الشرود و الضياع .
و التوبة هي تحرير لضمير المؤمن من الشعور بالإثم المثبط عن العمل أو الباعث على القنوط .
 و التوبة هي إقرار بالمرجعية و معيارِ الحق و الصواب , و ندم لما فرط من الخطأ , و عهد على الإستقامة , و اعتراف بالضعف و العجز و القصور الذي يجعل العمل يختلط بشيء من الجهل و الهوى و الشهوة , و لكن الطريق هو الطريق و المعيار هو المعيار و الحق أبلج لم يختلط بشيء من الأباطيل .
و أصل التوبة صحة العلم و لا تتصور التوبة ممن صار عنده المنكر معروفاً أو المعروف منكراً . فالله سبحانه وصف المنافقين بأنهم يفسدون في الأرض و يقولون " إنما نحن مصلحون " , " ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " . و وصف الله سبحانه الكافرين بأنهم الأخسرين أعمالاً لأنهم " ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " . فلا توبة لمن انقلبت عنده الموازين و اضطرب المعيار و تشوه المقياس و ضاع الدليل و المرجع .
فالتبرير لما يتورط فيه الإنسان من خطأ أو ظلم لشبهة دليل أو لهوى غالب هو التزوير الذي يحرم المؤمن من التوبة لما يتضمنه التبرير من تشويه للحق و الصواب أو ضياع للمرجعية التي تُـعَرّف الطريق و تحدد السبيل . فكل ابن آدم خـطّـاء , و التبرير يحرم المرء من رؤية خطئه و الإعتراف به فلا يستشعر الضياع عن الصراط و لايحس بالإثم و تقريع الضمير . و التوابون هم خير الناس لأنهم يمتلكون المعيار و هم لا يتوقفون عن المراجعة و التقييم لأعمالهم و خطرات قلوبهم و لا تحملهم تزكية النفس و ادعاء الكمال على تجاوز أو الغفلة عن التسديد و المقاربة و المراجعة و التصحيح .

No comments:

Post a Comment