الإســتـــخـــارة
من الأمور التي يجب أن ينتبه إليها المؤمن , تشويه معنى
الإستخارة . فقد جعلتها ممارسات العوام شيئاً يشبه الإستقسام بالأزلام و بديلاً عن
الجهد الواجب في التحري للصواب و استشارة أهل الرأي و الخبرة عند القيام بأي عمل .
فالإستخارة الواردة عن النبي صلى الله عليه و سلم هي دعاء يلتجأ العبد به إلى
مولاه بعد أن بذل الجهد و استفرغ امكانيات معرفة الصواب أو فرص و احتمالات النجاح
فيما ينوي أن يعمله , و وصل في ذلك إلى غلبة ظن و قرار . يدعو متبرئاً من الحول و
القوة و يقول يارب هذا تقديري و مبلغ علمي فإن كتبت لي النجاح و التوفيق فهو فضلك
و عطاؤك و توفيقك , و إن لم يتيسر هذا الأمر فلن تجد مني إلا الرضا بما قسمت و قدّرت
فلا اعتراض و لا سخط . فالإستخارة الواردة هي ابتهال لطلب العون و التيسير لما فيه
الخير , و هي كذلك دعاء يصوغ القلب و العقل للبراءة من العجب و الكبر عند النجاح و
من السخط و القنوط و الخيبة و الإحباط عند الفشل أو تعسر الأمور.
إن التردد في اتخاذ القرار فيما ينوي المرء عمله , و
التقصير في السؤال و البحث و الإستشارة , ثمّ
الإنتظار لبناء القرار على منام أو على انشراح صدر ينقدح عند فتح المصحف و
الإستبشار بما يظهر من ألفاظ يسر أو وصف نعيم – مما يسمونه استخارة و هو إلى
الإستقسام بالأزلام أقرب – يخالف هدي النبوة في الأخذ لكل أمر عدته و استشارة
أصحاب الرأي و الخبرة في موضوع ما ينوي من عمل , ثم التوكل على الله بعد العزم و
بعد الأخذ بالأسباب . فالأسباب هي محل التوكل و لا معنى للتوكل إذا فقدت الأسباب.
" فإذا عزمت فتوكل على الله "
فالعزم هو قرار لا تردد فيه و توجه لا التفات معه , بعد استنفاد الوسع و الطاقة في
معرفة الصواب و تحريه , و تقدير المصلحة الراجحة بوعي كامل للأولويات و ترتيبها
المعتبر . ثم يأتي التوكل ليكون اطمئنان قلب المؤمن مستنداً إلى الإيمان بحفظ الله
و عونه و تيسيره و قدره , لا على ما أحكم من أسباب النجاح تعبداً و خضوعاً و
تأدباً مع من وضع نظام الكون و ربط النجاح بأسبابه و مقدماته .
و بعد الوصول إلى قرار و تدبر معاني التوكل و شروطه ,
يستجمع المؤمن قلبه و يردد الدعاء بخشوع و تدبر لما تعنيه كل كلمة فيه ليحلق في
معارج الخضوع و التسليم متبرئاً من حوله و قوته , يطلب من الله العون و التوفيق و
الرعاية و التسديد :
اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ،
وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ، ولا أعلم ، وأنت غلام
الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر ( و يسمي حاجته ) هو خير لي في ديني و
دنياي و عاقبة أمري فاقدره و يسره لي . و إن كنت تعلم أن هذا الأمر هو شر لي في ديني
و دنياي و عاقبة أمري فاصرفه عني و اصرفني عنه و رضّني بما قسمت لي ياأرحم
الراحمين .
No comments:
Post a Comment