Monday, 16 June 2014

الـواجـبـات الـجـمـاعـيــــة



الواجبات الجماعية

قررت آيات القرآن الكريم أن الإنسان مسؤول و محاسب على أعماله في الدنيا , فلم يخلق عبثاً و لم يترك سدى :" أيحسب الإنسان أن يترك سدى " " و قفوهم إنهم مسؤولون "" فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره ".
و قررت آيات القرآن الكريم كذلك أن الإنسان يحاسب يوم القيامة محاسبة فردية :
" كل نفس بما كسبت رهينة "  " و لا تزر وازرة وزر أخرى " " و كلهم آتيه يوم القيامة فردا" . فالإنسان مطالب بالقيام بما فرضه الله عليه من واجبات فردية عينية من القيام بمصالحه و مصالح من يعول و كذلك تزكية نفسه و ملاحظة دوافعه و بواعثه لتكون رضا الله و التقرب إليه في أي عمل .
و بالإضافة إلى التكاليف الفردية العينية , فرض الله تعالى تكاليف و واجبات جماعية ألزم الأمة بالقيام بها و تحقيقها و هي ما يحقق الكفاية في ضروب المصالح العامة و المرافق و الخدمات : الدينية منها و الدنيوية سواء بسواء . وجعل الله المسؤولية عن فروض الكفاية مسؤولية جماعية , فإن قصّرت الأمة في أداء واجباتها الجماعية على وجه يحقق الكفاية و الندّية و الإستغناء و التفوق , ذاقت  الأمة كلها وبال أمرها في الدنيا ضنكاً في العيش و عسراً و شدّة , أو ذلة و هواناً و تسلطاً للأعداء . و في الآخرة يلحقَ القادرين و المؤهلين من الأمة اللوم و العقوبة .
فالأمة جسد واحد إذا اختل منه عضو فلم يقم بوظيفته و دوره , تعرض الجسد كله للوهن و السهر و الحمى . و الأمة كذلك بنيان واحد إذا فقدت منه لبنة أو اختلت وظيفة جزء منه تعرض المبنى و ساكنوه لدخول الحشرات و الأوبئة و الغبار أو للإنهيار و الدمار. فالإنسان هو عضو في جسد و لبنة في بناء يصيبه نتائج خطأ غيره أو  تقصيره . " و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصّة " .
و لا بد للمؤمن أن يفهم مجالات التكاليف و ما فرضه الله عليه في خاصة نفسه أو مصالح مجتمعه و أمته , و لا بد للمؤمن أن يحرص على أن يتلقى التدريب الكافي ليكتسب من المهارات العملية و العقلية و النفسية ما يمكنه من القيام بواجباته الفردية و الجماعية بما يحقق الكفاية و الإتقان .
عندما يقع الناس في أزمة و ضيق و عسر أو تقع هزيمة , ترتفع الأصوات بوجوب التوبة و الرجوع إلى الله . و ينحصر طرح المشكلة في إطار المعنى الأول للتكاليف في وجهها الفردي من التقصيربالعبادات و التزكية والإخلاص و يتم تجاهل التفريط في التكاليف الجماعية من تأمين الكفايات و المهارات و أداء الواجبات لتحصين الأمة من الإعتماد على غيرها في أساسيات حياتها , مما لا يزيد الأمور إلا تعقيداً و ضياعاً و خبالاً.
فالتوبة و الإخلاص و الإقلاع عن المعاصي و المخالفات لكل فرد في خاصة نفسه أمر لا بد منه , و لكن حصر المشكلة في كل ما تعاني منه الأمة في هذا الجانب و الإقتصار عليه هو خلل و بعد عن التوازن و العدل الواجب في إعطاء كل جانب ما يستحق من الجهد و الإهتمام و التذكير و التنبيه و التناصح .
و في هذا العصر تولت الدولة الحديثة مسؤولية التكاليف الجماعية من مرافق و خدمات و مصالح عامة , و لم يعد للمبادرات أو المساهمات الفردية قيمة عملية في ما يحتاج إلى مؤسسات و استثمارات و خطط و رؤية عامة على مستوى القطر أو المنطقة أو العالم بأسره . و من جهة أخرى أصبح الكلام في الأمور ذات الطبيعة الجماعية ( في بلاد المسلمين ) يثير حفيظة المسؤولين في الدولة لأنهم يشعرون أن أي كلام في هذا المجال هو تعريض بتقصيرهم أو إهمالهم أو فسادهم و سعي في تقويض الثقة بالحكومة و النظام و تأليب للناس و نشر للفتنة .
و يشعر الدعاة و المصلحون الذين يغارون على الأمة أن يصيبها الضعف و الهوان أنهم يواجهون مشكلة معقدة , فهم لا يرضون بالتوجه الذي يحصر أسباب الأزمات في خلل يصيب تدين الأفراد . و من جهة أخرى لا يريدون أن يفهم تنبيههم على بعض جوانب القصور في الأمة و التي تشكل – في نظرهم – سبب الأزمة على أنه اتهام أو تأليب أو إثارة فتنة .
و أرى أن مما يمكن أن يكون مفيداً في تناول القضايا ذات الطبيعة العامة مراعاة النقاط التالية :
1.     أن يكون دور الدعاة و المصلحين هو تقرير الحقيقة المؤكدة أن حصر كل أسباب الأزمات في الخلل يصيب التدين أو نقص الإخلاص هو تفسير غير مقبول شرعاً و عقلاً .
2.     و أنه لا بد – بالإضافة إلى إصلاح تدين الأفراد– من النظر إلى أسباب الأزمات من منطلق يعطي السنن و القوانين و النظام الكوني الذي وضعه الله سبحانه حظه من الجدية الواجبة في فهمها و الإلتزام بها .
3.     بيان المقاصد الكلية و القواعد الشرعية العامة التي تتصل بموضوع الأزمة .
4.     الإمساك عن تقرير رأي نهائي قاطع أو الدعوة إلى موقف عملي محدد في المسائل التي تحتاج إلى استشارة ذوي التأهيل و التخصص في موضوع الأزمة .
5.     التنبيه على أن الإهتمام بالشأن العام هو أمر ضروري و دليل صدق انتماء لأمة الإسلام , فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم .
6.     التنبيه على أن الإهتمام المطلوب ليس هو اللهج و الإطناب في الحديث عن الأزمة أو إشاعة كل ما يسمع عنها دون تحقق من أهل الخبرة بالموضوع , أو دون وعي بما يؤدي إليه الحديث , فكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع .
7.     التنبيه على أن الإهتمام المطلوب بالشأن العام في حده الأدنى هو تنمية المهارات و الإستعداد النفسي و الروحي و العملي للقيام بما يتطلبه حل الأزمة من مواقف و تضحيات . فالتمني و أحلام اليقظة لا تصنع عدة حل الأزمات , بل التدريب الواعي لإكتساب متطلبات و خبرات العطاء .
8.     و بعد ذلك دعوة للمتخصصين في موضوع الأزمة و مجالها أن يتحاوروا في الأسباب و يقترحوا ما يمكن أن يُـتّـخَـذ من خطوات عملية أو توجهات تساعد على حل الأزمة بمساندة و تأييد رأي عام مبني على الخبرة و الدراية .
9.     و الإشارة إلى أن تشكيل الجمعيات و المنظمات المدنية المتخصصة في كثير من دول العالم كان الرديف و المعين لما يمكن أن تقوم به الحكومات حيث تتشكل الرؤية المهنية المتخصصة التي تساعد صانعي القرار السياسي على توجيه السياسة لخدمة المقاصد التي تتلاءم مع ثقافة الشعوب و مزاجها.
10. عندما لا يتوفر الجو المناسب من الحرية لمناقشة الموضوعات أو اتخاذ خطوات عملية يتوجس المستبدون منها و يشعرون أنها تقوض ولاء الناس و خضوعهم . يلتزم الدعاة و المصلحون بما يستطيعون من البيان و يحرصون كل الحرص على أن لا يكونوا من علماء السلاطين أو ضحية مناورات الإحتواء و الإبتزاز التي يتقن المستبدون فنونها ليوظفوا الدعاة أبواق تخدير أو بث الحيرة و الشك و الضياع .

No comments:

Post a Comment