النظيف
عرفاً طاهر شرعاً
هناك أمر يتطلب مواجهة صريحة , و هو إنفصام العلاقة بين المفهوم الشرعي
للطهارة و بين النظافة في مجتمعات المسلمين . و الناس في هذا الأمر في حرج بين مبالغات و غلو في معنى الطهارة الشرعية و
الذي يصل إلى حد الوسوسة , و بين إهمال النظافة و
خاصة في المستوى الجماعي أو الفضاء الإجتماعي , بحيث لو قارنا بين
المسلمين و غيرهم في مجتمع من المجتمعات فلن يكون المسلمون هم الأنظف .
و قد عالج الإمام الغزالي في الإحياء موضوع الوسوسة و المبالغة و الغلو في
معنى الطهارة الشرعية و جاء بما يرد الناس عن التكلف و العنت في هذه المسألة و
أوضح المعيار الشرعي فيما يجب من الطهارة . و لكن الأمر الآخر و هو
إنفصام الطهارة عن النظافة فما زال بحاجة إلى بعض المعالجة و خاصة و أن موضوع
النظافة قد اختزل ليعني الطهارة - في حدها الأدنى - من المستقذرات على
المستوى الشخصي فقط أي لما تصح به الصلاة. فلا بد من دراسة هذا الموضوع فقد أصبحت الطهارة أمراً غير معقول
المعنى و أصبح من الممكن أن نطلق وصف الطهارة الشرعية على أشياء فيها من القذارة و
عدم اللياقة و المناسبة للبيئة بما يتعارض مع مفهوم الكرامة الإنسانية التي قررها
القرآن .
لقد كان من أول ما نزل من القرآن قوله تعالى " و ثيابك فطهر " .
فالأمر بتطهير الثياب أو تطهير النفس و الجسم باعتبار المعنى المجازي قبل أن تفرض
الصلاة و كل ما يتعلق بها من شروط له دلالة واضحة على صبغة الطهارة و النظافة التي
يريد القرآن تأصيلها في هوية الأمة . و الطهور شطر الإيمان و لكن الممارسة العملية
للمسلمين لا تدل على اهتمام بالطهارة و النظافة يعكس تلك المكانة للنظافة . روى البخاري عن النبي صلى الله عليه و سلم : " إن الله جميل يحب
الجمال نظيف يحب النظافة فنظّفوا أفنيتكم و لا تشبّهوا باليهود " . فالمسألة
تصل في خطورتها إلى ما يقدح في هوية الأمة و صبغتها . و لكن الناظر في حال الأمة
لا يرى الإهتمام الواجب بهذا الأمر و خاصة في الفضاء الإجتماعي .
عند مراجعة
النصوص و الفتاوى التي تقرر حكم الطهارة في حدها الأدنى – لما تصح به الصلاة – نجد
أن هذه النصوص تستند إلى واقع بيئة الصحراء العربية التي لا تتمتع بوفرة في مصادر
الماء . فإذا تعلم الإنسان أن يطهر نفسه بالحجارة في بيئة لا يكاد يجد من الماء ما
يكفيه للشرب فذلك أمر مفهوم بالإضافة إلى أنه يشكل نقلة حضارية في النظافة لبدوي
لم يكن ينظف نفسه بشيء . أما أن تصبح هذه الطريقة هي المعيار المطلق للنظافة في كل
البيئات , فأي صد عن سبيل الله و أي جمود عند ظروف صحراء العرب لمن يملك رسالة
للعالمين , و خاصة إذا كان يعيش في بيئة يستحم أهلها كل يوم ؟
و قد حملني التفكير في هذا الأمر إلى استقراء فتاوى الفقهاء في التطهير فوصلت
إلى صياغة قاعدة تربط بين النظافة و
الطهارة ( التي لا تتعلق بالطهارة التعبدية من تيمم و وضوء و غسل ) و تريح من التفصيلات و التعسفات و هي : النظيف عرفاً طاهر شرعاً .
فكل ما
لا نستقذره و ننفر منه في عرف البيئة التي نعيش فيها هو طاهر تصح به العبادات.
إن بين الطهارة الشرعية و النظافة العرفية ترابطاً وثيقاً يمكن أن نلاحظه في ضوء ما يقرره الإمام القرافي في كتاب الفروق , من أنه ليس هناك علة للطهارة , و لكن هناك علة واضحة للنجاسة و هي الإستقذار . و عندما نراجع وسائل و طرق التطهير التي نص عليها الفقهاء مثل الغسل و المسح و الحرق و الإستحالة و الجفاف و غيرها نجد اطراداً في اعتبار النظافة عند إزالة المستقذرات و رفعها أو تغيرها .
إن بين الطهارة الشرعية و النظافة العرفية ترابطاً وثيقاً يمكن أن نلاحظه في ضوء ما يقرره الإمام القرافي في كتاب الفروق , من أنه ليس هناك علة للطهارة , و لكن هناك علة واضحة للنجاسة و هي الإستقذار . و عندما نراجع وسائل و طرق التطهير التي نص عليها الفقهاء مثل الغسل و المسح و الحرق و الإستحالة و الجفاف و غيرها نجد اطراداً في اعتبار النظافة عند إزالة المستقذرات و رفعها أو تغيرها .
إنه لا بد من طرح هذا الموضوع و مراجعة كيفية تعليم الناس مفهوم الطهارة
الشرعية ( فيما وراء الطهارات التعبدية من تيمم و وضوء و غسل ) بما يكفل إعادة الإرتباط بين الطهارة و النظافة ,كلّ في بيئته و ظروفه . و لا بد من
إعادة الوعي للمسلم أنه يمتلك مشروعاً حضارياً يزكي الحياة و يكرم الإنسان معنوياً
و مادياً على حد سواء . و لا بد من البيان أن هدف هذه المراجعة الضرورية هو أن
يعود إلى وعي المسلمين أنّ المطلوب هو أن يكون المسلم الأنظف و الأنقى و
الأطهر في كل بيئة يكون فيها بلا تكلف , و ذلك على المستوى الشخصي و في المجال
الإجتماعي على حد سواء
إن هذه القاعدة ( النظيف عرفاً طاهر شرعاً ) تصلح لمعالجة الغلو و التكلف
في أمر الطهارة و التطهير و تعالج المشكلة الأخرى من الفصل بين النظافة و الطهارة و
خاصة في الفضاء العام ، و ترفع بعض ما يوقع في الحرج . فلا بد من دوام التفكير في
وسائل التطهير و التنظيف لإعادة مفهوم الطهارة إلى مقاصده بما يحقق تزكية الحياة و
ترقية الأمة .
*
مقال رائع و مفيد، لم استطع التوقف عن التفكير بالطهارة كركن من اركان العبادات كالوضوء و الغسل بأنواعه للرجال و النساء. حيث ان المقال - حسب فهمي - لم يتطرق الى هذه الناحية فهل من توضيح
ReplyDelete