الـمـسـيــح الــدجـــال
يحرص المؤمنون على قراءة سورة الكهف
يوم الجمعة لما ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم من أن قراءتها تعصم من فتنة
المسيح الدجال. و قد وردت الأحاديث التي تصف فتنة المسيح الدجال ليُفهم من مجموعها
أنها فتنة رجل يدّعي الألوهية و أوتي الكثير من الإمكانيات و القدرات الخارقة, و أنه
من مقدمات و أشراط الساعة و نزول عيسى عليه السلام.
و قد كتب العلامة أبو الحسن الندوي
رحمه الله رسالة عنوانها " نظرات في تفسير سورة الكهف ". و ربط في هذه
الرسالة العصمة من فتنة المسيح الدجال بفهم و تدبر و التزام الدروس التربوية
المستفادة من القصص المذكورة في السورة بالإضافة إلى محوري السورة الأساسيين و
المتمثلين بالإيمان بالله و اليوم الآخر.
و كتب
" محمد أسد " رحمه الله في كتابه " الطريق إلى مكة " تعليقاً
ذكر فيه الحضارة الغربية و نظرتها المادية و إهمالها الحاجات الروحية و قال إن
الحضارة الغربية هي الأعور الدجال الذي ينظر بعين واحدة و أن فتنة المسيح الدجال
هي افتتان الناس بالمنجزات المادية و النظرة المادية لهذه الحضارة التي تعدهم
الخلاص و السعادة و الوفرة و لا تزيدهم إلا حيرة و شقاءً.
و قد
أنكر الشيخ محمد الحامد رحمه الله أن يُحمل الأعور الدجال على المعنى المجازي, و
ذكر أن جميع الأحاديث الواردة عن الدجال تتحدث عن شخص حقيقي يتكلم و يتحدى و هو
بعين واحدة, و ليس عن شخص اعتباري كما يفهم من تعليق " محمد أسد " رحمه
الله.
لا شك أن
المفتونين بالدنيا و زينتها و الذين لا يقيمون وزناً للإيمان بالله و اليوم الآخر
هم فئة من الناس يجدهم المرء في كل عصر و مصر. و الدجال لا يربي أتباعه و أعوانه و
لا يدربهم ولكنه يجدهم بصفاتهم و توجهاتهم و ميولهم في كل عصر و كل جيل. و
المفتونون بالحضارة المادية الغربية و الخاضعون لثقافتها العنصرية و مقايـيسها
المادية، هم بلا شك مؤهلون ليكونوا من أتباع الدجال و حملة فتـنته و شرّه. و مما
يرشح هذا الفهم و يضع دروس سورة الكهف طريقة للنجاة من الفتن التي تسبق فتنة
الدجال كما تعصم من فتنة الدجال, ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن حذيفة
ابن اليمان قال : كنَّا عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذكَر الدَّجَّالَ
فقال : ( لَفِتنةُ بعضِكم أخوفُ عندي مِن فتنةِ الدَّجَّالِ إنَّها ليسَتْ مِن
فتنةٍ صغيرةٍ ولا كبيرةٍ إلَّا تتَّضِعُ لِفِتنةِ الدَّجَّالِ فمَن نجا مِن
فتنةِ ما قبْلَها نجا منها وإنَّه لا يضُرُّ مسلِمًا، مكتوبٌ بيْنَ عينَيْهِ :
كافرٌ مهجَّاةً: ك ف ر).
و في الحديث الصحيح الذي
اخرجه السيوطي عن أبي ذر الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : غير الدجال أخوف على أمتي من الدجال، الأئمة
المضلون .
و في هذا العصر الذي
يهيمن فيه النظام الدولي الغربي باستكباره و صلفه و امكانياته العسكرية و
الإقتصادية و الإعلامية، يثير الفتن و يدمر البلاد و يشرد العباد و يقيم و يدعم
" الأئمة المضلين "، لا يملك المرء أن يتجاهل ما قاله " محمد أسد
" رحمه الله، على الأقل من وجهة النظر التي تعتبر فتنة الحضارة الغربية أو
تجليات النظام الدولي الغربي هي فتنة من مقدمات فتنة الدجال التي تستدعي الكثير من
الوعي لزيف و كذب و دجل كل يلفقه الإعلام و ما يردده " الأئمة المضلون
".
و من المعلوم أن صرف
معاني الأحاديث النبوية عن ظاهرها دون حاجة أو ضوابط منهجية أمر غير مقبول. و لكن
التشابه بين ما ورد من صفات الدجال و ما تنطوي عليه الحضارة الغربية من تبجح و كذب
و بهتان و افتراء في التعامل مع المسلمين، يجعل من الضروري التنبيه إلى ما ورد عن
النبي صلى الله عليه و سلم بشأن العصمة من الفتن و خاصة في زمان يتعاظم فيه
البلاء.
و من هنا كان على المؤمن و هو يقرأ
سورة الكهف ان يستحضر الدروس التربوية في السورة و يتخذها منهج تدبر و تفكر و منهج
نظر و اعتبار في مواجهة الفتن المعاصرة والتي لا تكاد تنتهي، ليكون المؤمن أبداً مستعداً بيقظة و
وعي لجميع الفتن و مقدمات فتنة الدجال " فمن نجا من فتنة ما قبلها نجا منها
" .
-
فقصة أصحاب الكهف هي قصة التكريم و
التقدير للذين اختاروا الإيمان و مقتضياته على الدنيا و كل ما
فيها من وشائج و علائق.
-
و قصة صاحب الجنتين هي قصة التحذير من
العجب بالنعمة و نسيان المنعم، و الركون إلى الزينة و الإمكانيات المادية و الظن
أنها دائمة لا تحول و لا تزول.
-
و قصة موسى و الرجل الصالح هي قصة
الإطمئنان إلى الغيب ألذي يعلمه الله و يحقق به قدره كما يشاء سبحانه. فإن كثيراً
من البشارات النبوية الغيبية فيما يتعلق بأمة محمد و دورها في التاريخ قد تستعصي
على الفهم و إدراك الكيفيات. و ما على المؤمن إلا أن يتمسك بالإيمان بالغيب و
يطامن من اعتداده بما يعلمه من وسائل التمكين وكيفيات الظهور عندما يأتي الخبر
الصادق ممن منح العلم اللدني، و هو في حقنا محمد صلى الله عليه و سلم لا غير.
-
و قصة ذي القرنين هي قصة التمكين في الأرض بمعرفة الأسباب و اتباع
الأسباب. فالمؤمن متعبد بامتلاك أسباب التمكين و مهارات القيام بمهمات و مسؤوليات
التمكين. فالأرض لله يورثها من يشاء و العاقبة للمتقين.
فإذا استصحب المؤمن هذه الدروس في مواجهة ما يلقاه هذه الأيام من ابتلاء و محنة،
كانت له عدة ثبات و عدة نجاة إن شاء الله.
و الله تعالى أعلم.