التفسير العلماني
للغيب و الروح
في آخر ساعة من يوم عمل طويل سمعت أحد
الزملاء في المكتب المجاور يقرأ على صديقه رسالة اليكترونية و صلته حديثاً و كان
يبدي إعجابه و تأثره بها . كانت الرسالة تشرح كيف أن الإستغفار قبل النوم يذهب بكل
ما يسبب الإضطراب و يعين على نوم هادئ مريح .
تبدأ الرسالة بشرح آلية الإستغفار بالبيان
أن النطق بالإستغفار يضغط بحرف التاء على سقف تجويف الفم , و أن هذا الضغط يهيج
الغدة النخامية في أعلى الدماغ فتنطلق الإفرازات و الهورمونات و تكون السبب في
هدوء الأعصاب و إزالة الخيالات المتضاربة التي جمعتها العين طيلة النهار و تكون
النتيجة نوماً مريحاً . و تشير الرسالة إلى أبحاث علمية و دراسات طبية تثبت هذه
العملية و تؤكدها , لينطلق بعد ذلك التسبيح و التكبير إعجاباً بلطيف صنع الله في
خلقة و كيف أن العلم و التكنولوجيا تؤكد ما أوصت به الشريعة .
كان زميلي في طريقه للخروج من مكتبه
فناديته و قلت له : ياعمي أبو خالد سمعت الرسالة التي كنت تقرؤها ولي تعليق أحب أن
تسمعه . قال هات . فقلت : ياعمي أبو خالد هذه الرسالة و كثير أمثالها يمكن أن
تندرج تحت عنوان واحد و هو التفسير العلماني المادي للغيب و الروح . فهؤلاء الذين
ينشرون هذا الدجل العلمي يقولون لنا إن كل شيء هو تفاعلات مادية و إفرازات و
هورمونات و عضلات و أعصاب و إشعاعات , فلا حاجة بنا إلى استدعاء عناصر الروح و
الغيب , فالتفسير المادي جاهز و مقتع . قال أبو خالد : نعم هناك رسالة ثانية أذكر
أنها تثبت أن السجود و وضع الجبهة على الأرض باتجاه الكعبة تبعث بالإشعاعات التي
تفرّغ من الدماغ شحنات التوتر و الإكتئاب . كان أبو خالد يذكر المثال الآخر و يؤكد
أن الأبحاث و الدراسات تثبت ذلك فقلت : لو أن شخصاً وضع جبهته على الأرض باتجاه
القبلة من غير نية و لا وضوء فهل تنطلق تلك الإشعاعات ؟ دعك من هذا فهي خرافات و
دجل يستخدم اللغة العلمية للتمويه و التضليل . فالمسلمون يعتقدون أن الله تعالى
عندما يتجلى على عبد من عباده باسم الباسط و العفو و الغفور ينعم العبد بمشاعر
الرضى و السرور و انشراح الصدر و ذلك بآليات و كيفيات نجهلها فهي من الغيب الذي لا
نملك أن نخوض في تفصيلاته و كيفياته و هي من أمر الروح الذي اختص الله سبحانه و
تعالى بعلمه . عندها أشارت الساعة إلى انتهاء الدوام فسكت أبو منير عن الكلام .
و في الطريق إلى البيت فكرت في هذا الأمر و
كيف أنه ينطلي على الكثيرين من الناس فالمصطلحات الفنية و التكنولوجية لها قعقعة و
هيلمان تجعلهم ينسون الأدب الواجب في ادعاء معرفة كيفيات و آليات اختص الله سبحانه
بها و استأثر بعلمها . و تذكرت خطبة جمعة سمعتها في كاليفورنيا مرّة و كان الخطيب
يؤكد على ضرورة اتقان حركات الصلاة و أوضاع الأعضاء و اتجاه الأصابع و قال إن ذلك
يؤدي إلى اعتدال مزاج الإنسان و صحته حتى أنه لا يحتاج بعد ذلك إلى استعمال (
الفياغرا ) ! !
إنه لأمر محرج أن تنتشر رسائل الدجل العلمي
و لا أدري لماذا لا يعلن العلماء رأياً واضحاً في أمر اعتقادي يمثل تطاولاً على
الأدب الواجب في التعامل مع أمور الغيب و الروح .