Saturday, 2 November 2013

التفسير العلماني للروح و الغيب



التفسير العلماني للغيب و الروح

في آخر ساعة من يوم عمل طويل سمعت أحد الزملاء في المكتب المجاور يقرأ على صديقه رسالة اليكترونية و صلته حديثاً و كان يبدي إعجابه و تأثره بها . كانت الرسالة تشرح كيف أن الإستغفار قبل النوم يذهب بكل ما يسبب الإضطراب و يعين على نوم هادئ مريح .
تبدأ الرسالة بشرح آلية الإستغفار بالبيان أن النطق بالإستغفار يضغط بحرف التاء على سقف تجويف الفم , و أن هذا الضغط يهيج الغدة النخامية في أعلى الدماغ فتنطلق الإفرازات و الهورمونات و تكون السبب في هدوء الأعصاب و إزالة الخيالات المتضاربة التي جمعتها العين طيلة النهار و تكون النتيجة نوماً مريحاً . و تشير الرسالة إلى أبحاث علمية و دراسات طبية تثبت هذه العملية و تؤكدها , لينطلق بعد ذلك التسبيح و التكبير إعجاباً بلطيف صنع الله في خلقة و كيف أن العلم و التكنولوجيا تؤكد ما أوصت به الشريعة .
كان زميلي في طريقه للخروج من مكتبه فناديته و قلت له : ياعمي أبو خالد سمعت الرسالة التي كنت تقرؤها ولي تعليق أحب أن تسمعه . قال هات . فقلت : ياعمي أبو خالد هذه الرسالة و كثير أمثالها يمكن أن تندرج تحت عنوان واحد و هو التفسير العلماني المادي للغيب و الروح . فهؤلاء الذين ينشرون هذا الدجل العلمي يقولون لنا إن كل شيء هو تفاعلات مادية و إفرازات و هورمونات و عضلات و أعصاب و إشعاعات , فلا حاجة بنا إلى استدعاء عناصر الروح و الغيب , فالتفسير المادي جاهز و مقتع . قال أبو خالد : نعم هناك رسالة ثانية أذكر أنها تثبت أن السجود و وضع الجبهة على الأرض باتجاه الكعبة تبعث بالإشعاعات التي تفرّغ من الدماغ شحنات التوتر و الإكتئاب . كان أبو خالد يذكر المثال الآخر و يؤكد أن الأبحاث و الدراسات تثبت ذلك فقلت : لو أن شخصاً وضع جبهته على الأرض باتجاه القبلة من غير نية و لا وضوء فهل تنطلق تلك الإشعاعات ؟ دعك من هذا فهي خرافات و دجل يستخدم اللغة العلمية للتمويه و التضليل . فالمسلمون يعتقدون أن الله تعالى عندما يتجلى على عبد من عباده باسم الباسط و العفو و الغفور ينعم العبد بمشاعر الرضى و السرور و انشراح الصدر و ذلك بآليات و كيفيات نجهلها فهي من الغيب الذي لا نملك أن نخوض في تفصيلاته و كيفياته و هي من أمر الروح الذي اختص الله سبحانه و تعالى بعلمه . عندها أشارت الساعة إلى انتهاء الدوام فسكت أبو منير عن الكلام .
و في الطريق إلى البيت فكرت في هذا الأمر و كيف أنه ينطلي على الكثيرين من الناس فالمصطلحات الفنية و التكنولوجية لها قعقعة و هيلمان تجعلهم ينسون الأدب الواجب في ادعاء معرفة كيفيات و آليات اختص الله سبحانه بها و استأثر بعلمها . و تذكرت خطبة جمعة سمعتها في كاليفورنيا مرّة و كان الخطيب يؤكد على ضرورة اتقان حركات الصلاة و أوضاع الأعضاء و اتجاه الأصابع و قال إن ذلك يؤدي إلى اعتدال مزاج الإنسان و صحته حتى أنه لا يحتاج بعد ذلك إلى استعمال ( الفياغرا ) !  !
إنه لأمر محرج أن تنتشر رسائل الدجل العلمي و لا أدري لماذا لا يعلن العلماء رأياً واضحاً في أمر اعتقادي يمثل تطاولاً على الأدب الواجب في التعامل مع أمور الغيب و الروح .